responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3169
الْمَطْبُوعِ كَمَنْ آمَنَ بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ، فَالْمَعْنَى لَا عَقْلَ كَعَقْلِ التَّدْبِيرِ أَيْ كَالْعَقْلِ الَّذِي يَصْحَبُهُ التَّدْبِيرُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي دُبُرِ الْأَمْرِ وَعَاقِبَتِهِ وَيُمَيِّزُ مَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ فِي الْآخِرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْعَقْلِ الْمَسْمُوعِ (وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ) أَيْ وَلَا تَوَرُّعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّبَهَاتِ مِثْلَ الْكَفِّ عَنِ الْمُعَامَلَاتِ وَتَرْكِ الْمُبَاحَاتِ لَا الضَّرُورِيَّاتِ (وَلَا حَسَبَ) أَيْ: لَا مَكْرَمَةَ وَشَرَفَ (كَحُسْنِ الْخُلُقِ) أَيْ كَمُدَارَاةِ الْخَلْقِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْحَقِّ، هَذَا وَفِي النِّهَايَةِ الْوَرَعُ فِي الْأَصْلِ الْكَفُّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالتَّحَرُّجُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْكَفِّ عَنِ الْمُبَاحِ وَالْحَلَالِ " قُلْتُ: فَالْمُرَادُ بِالْوَرَعِ فِي الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ، وَبِالْكَفِّ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَلَمَّا غَفَلَ الطِّيبِيُّ عَمَّا حَرَّرْنَاهُ، قَالَ بَعْدَ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَعَلَى هَذَا الْوَرَعُ وَهُوَ الْكَفُّ، فَكَيْفَ قِيلَ وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ؟ قُلْتُ: الْكَفُّ إِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ كَفُّ الْأَذَى، أَوْ كَفُّ اللِّسَانِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كُفَّ هَذَا " وَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا وَرَعَ كَالصَّمْتِ أَوِ الْكَفِّ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ أَيْ: لَا مَكَارِمَ مُكْتَسَبَةً كَحُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الْخَلْقِ، فَالْأَوَّلُ عَامٌّ، وَالثَّانِي خَاصٌّ. قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ، وَالثَّانِيَ عَامٌّ لِأَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُسْتَحْسَنَاتِ، وَلِذَا وَرَدَ: الْخُلُقُ الْحَسَنُ أَحْسَنُ الْحُسْنِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الرِّفْقِ وَالْحَيَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ]

5066 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ، وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ» " رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَحَادِيثَ الْأَرْبَعَةَ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5066 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ) أَيْ: فِي صَرْفِهَا أَوْ فِي الْإِنْفَاقِ (نِصْفُ الْمَعِيشَةِ) وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] (وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ) أَيِ: التَّحَبُّبُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ (نِصْفُ الْعَقْلِ) أَيِ: اسْتِعْمَالُ نِصْفِهِ أَوْ سَبَبُ تَحْصِيلِ نِصْفِهِ، فَإِنَّهُ بِالِاسْتِصْحَابِ يَحْصُلُ لِلْعَقْلِ الِاكْتِسَابُ، فَكَانَ عَقْلُ الْمُنْفَرِدِ نِصْفَ الْعَقْلِ، فَيَكْمُلُ بِعَقْلِ صَاحِبِهِ، وَلِذَا قِيلَ: عِلْمَانِ خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ يَقُولُ لِبَعْضِ تَلَامِيذِهِ: أَنَا وَأَنْتَ إِنْسَانٌ كَامِلٌ ; لِأَنَّكَ حَافِظٌ الْقُرْآنَ وَأَنَا مُفَسِّرُهُ، وَلَعَلَّ هَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الْإِخْوَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «الْمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ مُصَاحَبَةَ أَرْبَابِ الْكَمَالِ تُوَرِثُ كَمَالَ الْعَقْلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. (وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ) فَإِنَّ السَّائِلَ الْفَطِنَ يَسْأَلُ عَمَّا يُهِمُّهُ وَمَا هُوَ بِشَأْنِهِ. أَعْنِي: وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى فَضْلِ تَمَيُّزٍ بَيْنَ مَسْئُولٍ وَمَسْئُولٍ، فَإِذَا ظَفِرَ بِمُبْتَغَاهُ وَفَازَ بِهِ كَمُلَ عِلْمُهُ، وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: يُفْهَمُ مِنْ حُسْنِ سُؤَالِ الطَّالِبِ أَنَّ لَهُ مُشَارَكَةً فِي الْعِلْمِ وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ بَقِيَّةَ الْعِلْمِ، وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ بِخِلَافِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَحُسْنِ مَقَالٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ نَصًّا عَلَى نُقْصَانِ عَقْلِهِ وَكَمَالِ جَهْلِهِ، حُكِيَ أَنَّ تِلْمِيذًا كَانَ لِأَبِي يُوسُفَ سَاكِتًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ لَهُ: إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَسَلْ وَلَا تَسْتَحِ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ الْعِلْمَ، وَكَانَ الْإِمَامُ يَتَكَلَّمُ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ أَنَّهُ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الْغُرُوبِ فَقَالَ: فَإِذَا لَمْ تَغْرُبْ فَإِلَى مَتَى؟ فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ، فَإِنَّ سُكُوتَكَ خَيْرٌ مِنْ كَلَامِكَ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْحَالِ: إِنَّ الْجَاهِلَ إِذَا تَكَلَّمَ فَهُوَ كَالْحِمَارِ، وَإِذَا سَكَتَ فَهُوَ كَالْجِدَارِ. هَذَا وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ بَيَانُ أَنَّ الْعَالِمَ وَلَوْ بَلَغَ مَبْلَغَ الْكَمَالِ فِي الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْجَهْلِ بِبَعْضِهِ فِي ذَلِكَ جَوَابُهُ لَا أَدْرِي. وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ أَمْ لَا» ، وَفِي الْقُرْآنِ " {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] "، وَ " {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] " وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ: فَإِذَا كُنْتَ لَا تَدْرِي فَلِمَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ؟ قَالَ: إِنَّمَا طَلَعْتُ بِقَدْرِ عِلْمِي وَلَوْ صَعِدْتُ بِقَدْرِ جَهْلِي لَوَصَلْتُ السَّمَاءَ، وَفِي قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] تَنْبِيهٌ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَحَادِيثَ الْأَرْبَعَةَ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) . قُلْتُ: وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «الِاقْتِصَادُ نِصْفُ الْعَيْشِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ نِصْفُ الدِّينِ» . وَرَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ» ".

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3169
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست